ماهي شخصية السيجما (Sigma Male) ؟
انتشر مصطلح السيجما بين الشباب باعتباره رمزًا للاستقلالية والعزلة، لكن ما حقيقة هذا المفهوم؟ وهل يمثل نمط شخصية حقيقي أم مجرد انعكاس لثقافة الإنترنت؟

هل حقًا توجد شخصية “السيجما” (Sigma Male)؟ وما تأثيرها على الشباب؟
المقدمة
في السنوات الأخيرة انتشر مصطلح الرجل السيجما (Sigma Male) بكثرة على الإنترنت، وخصوصًا بين فئة المراهقين والشباب الذين يبحثون عن هويتهم وفهم أعمق لمفهوم الرجولة. يُقدَّم الرجل السيجما باعتباره الشخص المستقل، الانطوائي، الذي يفضّل السير في طريقه الخاص بعيدًا عن التسلسل الهرمي الاجتماعي التقليدي. وبينما يراه البعض رمزًا للقوة والاعتماد على الذات، يرى آخرون أن التعلق المفرط بهذا التصنيف قد يخفي وراءه مشاعر عزلة أو انعدام ثقة بالنفس.
في هذا المقال سنستعرض مفهوم السيجما، أصوله، سماته، الفروق بينه وبين “الألفا” (Alpha Male)، بالإضافة إلى مناقشة تأثير هذه الفكرة على المراهقين وكيف يمكن للآباء التعامل معها.
معنى وأصل مصطلح السيجما
يندرج مصطلح السيجما في إطار ما يُعرف بـ نظرية التسلسل الهرمي الاجتماعي (Social Dominance Hierarchy)، والتي تصنّف الرجال إلى أنماط مثل:
- الألفا (Alpha Male): القائد المسيطر والمنفتح اجتماعيًا.
- البيتا (Beta Male): التابع أو المنفذ الذي يفتقر للقيادة.
- السيجما (Sigma Male): الذئب المنعزل الذي يسير خارج النظام الاجتماعي.
ظهر المصطلح لأول مرة عام 2010 على مدونة الكاتب المحافظ ثيودور روبرت بيل المعروف باسم “Vox Day”، ثم انتشر بشكل واسع عبر الإنترنت وخاصة في المنتديات والميمز، حتى أصبح جزءًا من نقاشات الشباب حول الهوية والرجولة. كما أعاد الكاتب مارك مانسون طرح المفهوم عام 2016 في كتابه الشهير The Subtle Art of Not Giving a Fck*، مؤكدًا على قيمة الاستقلالية والبحث عن المعنى في الحياة.
-
أبطال السيجما في الثقافة الشعبية
انتشرت الفكرة عبر الإنترنت والميمز، لتُربط بشخصيات سينمائية مثل:
-
جون ويك (John Wick): القاتل المنعزل الباحث عن العدالة.
-
باتريك باتمان (Patrick Bateman): بطل American Psycho الثري المهووس بالمظاهر والناقم على النساء.
-
توماس شيلبي (Tommy Shelby): زعيم عصابة Peaky Blinders الغامض.
-
والتر وايت (Walter White): من Breaking Bad الذي يتحول من معلم إلى مجرم.
غير أن هذه الشخصيات، التي صُممت أساسًا كـ سخرية أو نقد اجتماعي، تحولت بفضل الإنترنت إلى “نماذج يُحتذى بها” للجيل الجديد.
-
السيجما والـ “Grindset”
ظهر مصطلح سيجما جريندست (Sigma Grindset) باعتباره “قوانين النجاح” التي يتبعها السيجما، والتي تتضمن:
-
الاستيقاظ فجراً (أحيانًا 4:30 صباحًا).
-
ممارسة تدريبات قاسية.
-
عادات انضباطية صارمة في العمل والحياة.
-
الابتعاد عن الروابط الاجتماعية التقليدية.
ورغم أن هذه الممارسات قُدمت كرموز للنجاح، فإنها ليست سوى نسخة جديدة من ثقافة “الهَسْل” (Hustle Culture)، التي تُمجّد الإفراط في العمل والانضباط الجسدي والشكلي، وغالبًا ما تخفي وراءها شعورًا بالقلق والفراغ.
من “المانوسفير” إلى السوشيال ميديا
انتشرت أفكار السيجما بسرعة عبر منصات مثل تيك توك (TikTok) ويوتيوب (YouTube)، حيث تتكرر فيديوهات من نوع “14 علامة تدل أنك سيجما” أو “أشياء تلاحظها النساء فورًا في السيجما”. لكنها في الغالب محتويات سطحية ومكررة، أقرب إلى الميمز منها إلى أي حقيقة علمية.
الخطير هنا أن هذه المصطلحات خرجت من بيئة “المانوسفير (Manosphere)”، أي المجتمعات الذكورية المتطرفة التي تروج لأفكار ضد النساء وضد الحداثة الاجتماعية، ودخلت إلى محتوى يستهلكه المراهقون بشكل يومي دون إدراك للسياق الأصلي.
سمات شخصية السيجما
عادة ما يُنظر إلى السيجما كرجل:
- مستقل ويميل للعزلة.
- لا يبحث عن السلطة أو الشهرة.
- يرفض القوالب الاجتماعية التقليدية.
- يسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي والرضا الشخصي بعيدًا عن التقييم الخارجي.
لكن من المهم الإشارة إلى أن هذه السمات ليست حكرًا على نوع واحد من الأشخاص، بل هي جزء من تنوع الشخصية الإنسانية.
رأي الخبراء
-
ديبي غينغ، أستاذة الإعلام الرقمي والجندر بجامعة دبلن: “لا يوجد أي أساس علمي مقنع لتقسيم البشر إلى أنماط ثابتة مثل السيجما، إنها رؤية مبسطة وخاطئة للسلوك الإنساني.”
-
دانييل دي زيو، باحث في ثقافة الإنترنت: “عندما تنتقل هذه المصطلحات من الهامش إلى السائد، يتغير معناها بسرعة، خصوصًا داخل الميمز. أحيانًا تُستخدم كمديح، وأحيانًا كسخرية، وفي النهاية تفقد معناها الأصلي.”
الفرق بين السيجما والألفا
يمكن تلخيص الفروق الأساسية كالتالي:
| الألفا (Alpha Male) | السيجما (Sigma Male) |
|---|---|
| يسعى للقيادة والهيمنة | يرفض التسلسل الهرمي |
| منفتح واجتماعي | يفضل العزلة أو دوائر صغيرة |
| يحتاج للاعتراف والقبول | يعمل باستقلالية |
| يزدهر في الجماعات | يتجنب السلطة والتفكير الجماعي |
بمعنى آخر، السيجما قد يمتلك بعض قوة الألفا وثقته بنفسه، لكنه لا يحتاج إلى إثبات ذلك أمام الآخرين.
هل يجب على الآباء القلق من مفهوم السيجما؟
المصطلح في جوهره تبسيطي ومختزل. صحيح أن خصال مثل الاستقلالية والثقة بالنفس تستحق الإشادة، لكن الانغماس الزائد في هذه الهوية قد يكون وسيلة لإخفاء انعدام الأمان الداخلي (Insecurity) أو ضعف تقدير الذات.
على الآباء أن يدركوا أن أبناءهم ليسوا مجرد “أنماط شخصية” بل كائنات معقدة ومتنوعة، تجمع بين صفات متناقضة في أحيان كثيرة.
علامات تدل على مبالغة الطفل في التماهي مع السيجما:
- رفض الانخراط الاجتماعي كليًا.
- استخدام محتوى السيجما كستار لإخفاء ضعف داخلي.
- متابعة محتوى سلبي أو معادٍ للنساء مرتبط بثقافة السيجما.
- تجنب الصداقات والعمل الجماعي.
كيف نتحدث مع الأبناء عن السيجما؟
الحوار المفتوح هو الوسيلة الأهم، وينبغي أن يكون قائمًا على الفضول لا الحكم.
- طرح أسئلة مفتوحة:
- “ما الذي يعجبك في شخصية السيجما؟”
- “هل ترى أن كل الناس يمكن اختزالهم في أنماط معينة؟”
- تشجيع التفكير النقدي:
- “هل هناك اختلاف حقيقي بين السيجما والألفا؟”
- “ما الإيجابيات والسلبيات من تصنيف نفسك بهذه الطريقة؟”
- مناقشة الأثر الاجتماعي:
- التحذير من المحتوى الذي يحمل كراهية أو تمييزًا.
- التركيز على قيم النمو الشخصي والذكاء العاطفي بدلاً من التصنيفات الجامدة.
أسئلة شائعة حول السيجما
- هل شخصية السيجما حقيقية؟
ليست مدعومة بأبحاث علمية، بل مستمدة من الثقافة الرقمية والرموز المجتمعية. - هل هي جيدة أم سيئة؟
الأمر نسبي؛ إن ساعدت في بناء الثقة بالنفس فهذا إيجابي، أما إن قادت للعزلة أو التعالي فهو مقلق. - لماذا ينجذب المراهقون إليها؟
لأنها تمنحهم إطارًا لفهم الذات وسط ضغط الهوية والرجولة، كما تدعمها خوارزميات وسائل التواصل التي تروّج لمثل هذا المحتوى.
الملخص (نقاط بسيطة)
- السيجما هو “الذئب المنعزل” في نظرية التسلسل الهرمي الاجتماعي.
- ظهر المصطلح عام 2010 وانتشر عبر الإنترنت والثقافة الشعبية.
- يتميز بالاستقلالية ورفض التبعية والبحث عن الذات.
- الفارق الأساسي بينه وبين الألفا: الألفا يسعى للهيمنة، بينما السيجما يسعى للعزلة والاستقلال.
- يجب التعامل مع المصطلح بحذر لأنه قد يخفي شعورًا بانعدام الأمان أو يعزز العزلة.
- الحوار المفتوح مع الأبناء هو الطريقة المثلى للتعامل مع هذه الفكرة.
الخاتمة
رغم أن مصطلح السيجما قد يبدو للبعض مجرد اتجاه شبابي عابر أو وسيلة للتعبير عن التميز، إلا أن جوهر المسألة أعمق من ذلك. فالتعلق الزائد بمثل هذه التصنيفات قد يحرم الفرد من رؤية شخصيته بكل أبعادها. من المهم أن نغرس في أبنائنا أن الإنسان أكبر من أي “تصنيف”، وأن القوة الحقيقية تكمن في التوازن بين الاستقلالية والتواصل الإنساني.


