التنظيم المشترك بين الأزواج: سر الترابط العاطفي وتجاوز التحديات

الحياة الزوجية تمر بمواقف تتطلب من كلا الطرفين العمل عليها من أجل تجاوز التوتر وللحفاظ على الانسجام, وهنا يأتي دور التنظيم المشترك بين الأزواج كجسر للحفاظ على ترابط القلوب في أصعب اللحظات.
ما هو التنظيم المشترك بين الأزواج؟
تتمثل في أنها عملية يسعى فيها كلا الطرفين لتقديم المساعدة والغرض الرئيسي منها هو تهدئة المشاعر وبالإضافة لاستعادة التوازن سواء النفسي أو الجسدي وبالتحديد في أوقات التوتر والانفعال والصراع.
ومثال توضيحي على التنظيم المشترك إذا شعر الطرف الأول بمشاعر من الإحباط والضيق فيأتي دور الطرف الثاني في الإنصات له أو مساندته من خلال التلفظ بعبارات مطمئنة وغيرها, تلك الاستجابة من الطرف الثاني لها تأثير كبير على تحسين حالة كلا الطرفين بالإضافة لنشأة الثقة والأمان وتعزيز الروابط والصحة العاطفية.
وكما ذكرنا ما هو التنظيم المشترك بين الأزواج فسنسلط الضوء على الفرق بينه وبين التنظيم الذاتي :
يُعرف التنظيم الذاتي بأنه قدرة الفرد على تهدئة ذاته بمفرده دون الاعتماد واللجوء على طرف آخر لمساعدته, بالإضافة لامتلاكه لمهارات متعددة مثل التحكم في انفعالاته وإدارة الاستجابات العاطفية والسلوكية.
بينما يأتي مصدر الدعم في التنظيم المشترك من خلال التفاعل مع الطرف الآخر مثل نبرات الصوت الهادئة أو الكلمات المطمئنة أو التواصل الجسدي وغيرها.
ولكن مصدر الدعم في التنظيم الذاتي يأتي من داخل الشخص نفسه من خلال الوعي الذاتي أو إعادة تقييم الموقف أو القيام بتقنيات تهدئه.
في حين أن التنظيم الذاتي يعتمد فيه الشخص على نفسه بأكبر معدل وذلك يمثل مهارة فردية, ولكن التنظيم المشترك يعتمد على وجود تفاعل مع شريك حياته ومع مشاركة المتبادلة في التهدئة.
الهدف الأساسي من التنظيم الذاتي هو الحفاظ على التوازن الداخلي على الرغم من الظروف الخارجية ولكن الهدف الرئيسي من التنظيم المشترك هو تقوية الروابط العاطفية وتطوير الإحساس بالأمان بالأخص في أوقات الأزمات والانفعالات.
تأثير التنظيم المشترك في الطفولة وجودته في العلاقات الزوجية لاحقًا
التنظيم المشترك الذي تلقاه الطفل بمرحلة الطفولة المبكرة له تأثير على جودة علاقاته المستقبلية بما فيها علاقته مع شريك حياته, وذلك يرجع لأن عملية التنظيم المشترك بين الطفل ووالديه هو تمهيد لتدريب الجهاز العاطفي على طرق التعامل مع المشاعر وكذلك التهدئة والتواصل مع الآخرين.
مدى تأثير التنظيم المشترك في الطفولة على علاقته المستقبلية يتمثل في :
أولا إعداد نموذج داخلي للعلاقات, في حالة تلقى الطفل الدعم والتهدئة من قبل مقدم الرعاية فسيترسخ لديه مبدأ أن العلاقات مكان آمن تسمح له اللجوء إليها عند الضيق, وبالتالي يستمر ذلك المبدأ على المدى الطويل وسيمتلك القدرة على طلب الدعم من شريك حياته وكذلك تقديمه للدعم.
ثانيًا تطوير مهارات التنظيم العاطفي, دعمك بصورة مبكرة للطفل يساعده على طرق تهدئه نفسه من خلال اللجوء للآخرين وعلى المدى الطويل ستجده يهدئ نفسه بمفرده, امتلاك الطفل لمهارات التنظيم العاطفي يمهده لتقليل الانفعالات العاطفية في العلاقات الزوجية.
ثالثًا تقليل احتمالية أنماط التعلق غير الآمن, افتقار التنظيم المشترك في الطفولة مثل الإهمال يترتب عليه أنماط من التعلق القلق وهذا يترتب عليه صعوبة في الثقة أو الانفتاح العاطفي مع شريك حياته القادم.
رابعًا تعزيز التعاطف والقدرة على قراءة الإشارات العاطفية, مقدم الرعاية المنتبه والمتفهم للطفل من خلال ملاحظة مشاعره قبل أن يعبره عنها يترتب عليه تعرف الطفل على مشاعره الخاصة وكذلك الانتباه لمشاعر الآخرين والتعاطف, وعلى المدى الطويل في علاقته الزوجية سيتفوق في تقديم الدعم العاطفي المناسب لشريك حياته وبالتالي تقل نسب سوء الفهم والخلافات المترتبة على إغفال الإشارات العاطفية.
خامسًا التأثير في أنماط التعامل أثناء الأزمات, إذا اعتاد الشخص في مراحل الطفولة المبكرة على وجود شخص يساعده على استعاده هدوئه فسيتجه لنمط من مواجه الصعوبات وهو التشارك مع شريك حياتك ويتجبن الانعزال أو المواجهة العدوانية.
أهمية التنظيم المشترك بين الأزواج
التنظيم المشترك بينك وبين شريك حياتك يسهم في حل الخلافات ويحافظ على استقرار العلاقة على المدى الطويل, وأهمية التنظيم المشترك تتمثل في :
1- تعزيز الترابط العاطفي, دعمك لشريك حياتك في وقت التوتر يسهم في تعميق الشعور بالأمان والثقة بين كلا الطرفين.
2- خفض التوتر والضغط النفسي, التنظيم المشترك يسهم في تهدئة الجهاز العصبي وتجنب الشعور بالقلق والانفعال.
3- تحسين التواصل, عندما يسيطر كلا الطرفين على المشاعر فتصبح عملية الاستماع والتفهم أسهل.
4- الوقاية من تراكم الخلافات, التهدئة السريعة تضع حاجز لمنع تضخم المواقف والمشاكل الصغيرة من إنها تتحول لمشاكل كبيرة.
5- زيادة الرضا عن العلاقة, شعورك بالدعم من قبل شريك حياتك وأنك لست بمفردك يبث لك الشعور بأن العلاقة مستقرة ودافئة.
6- دعم الصحة النفسية لكلا الطرفين, البيئة التي تتسم بالأمان والعاطفة تقلل من نسب الإصابة بالضغط المزمن أو الإصابة بالاكتئاب.
كيفية التنظيم المشترك مع شريك حياتك
هناك استراتيجيات تسهم في تعزيز التواصل العاطفي والتنظيم المشترك في علاقتك مع شريك حياتك ولكنها تتطلب الصبر والممارسة المستمرة, وتتمثل تلك الطرق في :
1- الانتباه لحالة شريك حياتك, أول خطوة في عملية التنظيم المشترك هو الوعي, وعليك ملاحظة حالة شريك حياتك العاطفية وتسأل ما هي مشاعره هل هو متوتر أم غاضب.
يمكنك ملاحظة حالة شريك حياتك من خلال لغة جسده أو نبرة الصوت وتعبيرات الوجه.
2- الاتصال الجسدي, اللمس والتواصل الجسدي المتمثل في العناق أو الجلوس بالقرب من شريك حياتك يسهم في إعادة الأمان والترابط العاطفي.
3- التباطؤ والتنفس بعمق, شعورك بالغضب أو القلق يوصل لجسمك استجابة القتال أو الهروب ويترتب عليها سرعة نبضات القلق والتنفس السريع وشد بالعضلات ونتيجة لذلك تقوم أنت وشريك حياتك بردة فعل سريعة عند الشعور بالغضب وبالتالي تتسرعان في قول الكلمات الجارحة, ولهذا عليكم التنفس بعمق والتوقف للحظة قبل الاندفاع في النقاش.
4- التعاطف والتحقق من المشاعر, للوصول لمرحلة من التنظيم المشترك مع شريك حياتك فعليكما الإنصات لشريك حياتك دون مقاطعته أو دون إصدار أي تعليق أو نقد لما يقوله شريك حياتك.
5- خلق شعور “نحن”, عليكما وضع علاقاتكما بالمركز الأول في مقدمة أولوياتكم والعمل سويًا لمواجهة الخلافات وتجنب التركيز على من الصح ومن المرتكب للخطأ.
6- ممارسة التأمل المشترك, بواسطة تحديد دقائق لممارسة التأمل مع شريك حياتك من أجل تطوير الشعور بالهدوء والحضور الذهني ولتحسين قدرتكم على التعامل مع الضغوط.
يمكنك قراءة أيضًا :
علاقات البشر مع الذكاء الاصطناعي: من الصداقة إلى الارتباط العاطفي
