الوعي الذاتي.. كيفية بناء علاقة صحية مع نفسك؟

فئة كبيرة من الأفراد يهتمون فقط ببناء علاقة جيدة مع دائرة معارفهم من المقربين ولكن يهملون أمر هام وهو بناء علاقة صحية مع النفس التي هي حجر الأساسي لحب النفس والاهتمام بها وكذلك تقبلها بنقاط قواتها وضعفها.
ما هي العلاقة مع النفس؟
العلاقة مع النفس تتمثل بأنها الروابط الداخلية التي تربط الإنسان مع ذاته وتشمل الطريقة التي يفكر بها تجاه ذاته وكذلك يشعر بها نحو ذاته ويتعامل بها مع احتياجاته وأخطائه وتجاربه المختلفة.
لهذا يمكن القول أن العلاقة مع النفس هي حجر الأساس الذي تبني عليه باقي العلاقات في حياتك وهذا يرجع لأنها تشير على مدى وعي الفرد لنفسه وتقبله لها واحترامه لها.
تتضمن العلاقة مع النفس عدة جوانب هامة تتمثل في :
- الوعي الذاتي, من حيث معرفة من أنت وما الذي تفضله وكذلك ما الذي يسبب الإزعاج لك ومعرفة قيمك وأهدافك.
- القبول الذاتي, تقبل شخصيتك كما أنت من حيث نقط ضعف ومميزاتك دون مقارنة نفسك بالآخرين.
- الحديث الداخلي, من حيث الانتباه لطريقة التحدث مع ذاتك والتساؤل عن هل تدعمها أم تنتقدها.
- العناية بالنفس, من حيث الاهتمام بالصحة العقلية والجسدية والعاطفية والاهتمام بأخذ فترات من الراحة إذا تطلب الأمر
- الرحمة الذاتية, هو أن تغفر وتسامح نفسك في حال إذا ارتكبت الخطأ.
أهمية بناء علاقة صحية مع نفسك
أولا الوصول لعلاقة أفضل مع الآخرين
رؤيتك لذاتك وتعاملك معها هي التي تؤثر على طريقة تعاملك مع الدائرة المحيطة بك, لهذا إذا أحببت نفسك بصدق وتهتم بجميع الجوانب الخاصة بشخصيتك فستجد أنك تحب وتهتم بدائرة معارفك من الأهل والأصدقاء.
بينما إذا تعاطفت مع أخطائك بنمط من اللطف والرحمة فستجد حالك تمارس اللطف والتعاطف مع الآخرين.
ثانيًا صحة نفسية أفضل
العلاقة الإيجابية التي تقوم بها مع نفسك تؤثر بصورة مباشرة على صحتك النفسية, وتوضيح أكثر إذا أحببت نفسك بصدق وقدرت جميع أفعالك مع التعامل معها باحترام ولطف فجميع تلك السلوكيات تقلل من الشعور بالقلق والتعرض للاكتئاب والتوتر بصورة عامة.
ثالثًا الوصول لمعدل عالي من الإنتاجية
خطوة الإعجاب بنفس بجميع نقاط مميزاتها وعيوبها له تأثير واضح وإيجابي على معدل الإنتاجية, ومعرفتك لنقاط الضعف والتي بحاجة لتحسين تساعدك على تطويرها وكذلك وضع حاجز قوي لمنع تأثيرها السلبي على عملك.
رابعًا مهارة أفضل في حل المشكلات
العلاقة الصحية تمهدك وتمدك بالقدرة للتعامل مع المشاكل بأنسب طريقة, بالتالي إذا لم تكن تعلم بنقاط قوتك أو لست واثق بقدراتك فمع أول مشكلة ستشعر بالإرهاق.
بينما إذا كان علاقتك بنفسك صحية وتعلم بنقاط قوتك وضعفك ستجد القدرة على طلب المساعدة وكذلك القدرة على مواجهه المشاكل بمفردك.
علاقتك الصحية مع الذات تمدك بالثقة الداخلية التي تمكنك من التفكير بهدوء مع اختيار الحلول الملائمة لحل المشكلة بدلا من التسرع والانفعال أو التعرض للقلق الزائد.
العوامل التى تؤثر على علاقتك بنفسك
1- التربية والخبرة المبكرة
البيئة ونمط التربية التي ترعرعت عليه لها تأثير على علاقتك بنفسك, ومثال توضيحي على ذلك إذا نشأت في إطار بيئة داعمة وتحفزك على التعبير عن ذاتك وكذلك على تقدير النفس فمن المؤكد أن تكون علاقتك بنفسك صحية.
بينما إذا نشأت في بيئة اعتمدت على مبدأ النقد المستمر وكذلك على مقارنة الآخرين أو إغفال المباشر فهذا يترتب عليه نقص الثقة بالذات.
2- الخبرات الحياتية
التجارب التي تتعرض لها بصورة يومية سواء كانت سلبية أو إيجابية هي التؤثر بصورة مباشرة على رؤيتك لنفسك وعلى التعامل معها.
بمعني إذا نجحت في مهمة ما فبالتالي تشعر بالمشاعر من القدرة والكفاءة, والتجارب الإيجابية لها نتائج جيدة من حيث زيادة حبك لذاتك مع تقدير لقيمك, في حين إذا لم تتعامل مع الفشل أو الصدمات النفسية بطريقة سليمة فستجد مشكلة في بناء علاقة صحية مع النفس.
3- الصورة الذاتية
مفهوم الصورة الذاتية هو الانطباع الداخلي الذي تكونه عن نفسك بعدة جوانب مثل الشكل والشخصية والقدرات, لهذا إذا كانت رؤيتك لنفسك قوية ومميزة فالنتيجة النهائية هي علاقة تجاه النفس تتسم بالإيجابية, في حين إذا كانت رؤيتك لنفسك ضعيف فالنتيجة النهائية هي علاقة متوترة وسلبية تجاه النفس.
4- الحديث الداخلي
الكلام الذي توجه نفسك يؤثر على نمط يومك, لهذا إذا كان نمط الحديث من النوع الداعم والإيجابي فستعزز ثقتك بنفسك وتقلل من مشاعر التوتر والقلق, فيما إذا كان نمط الحديث من النوع السلبي أو الناقد فسيقل تقديرك لذاتك وتشعر بالإحباط.
5- التوقعات الاجتماعية والمقارنة بالآخرين
تمثل وسائل التواصل الاجتماعي عنصر للضغط والمقارنة بسبب المعايير التي يحددها, ومقارنة نفسك بالآخرين تعمل على زيادة شعورك بالغيرة أو القلق, بينما إذا كنت تمتلك القدرة على وضع الحدود وتقدر ذاتك فأنت بصورة مباشرة تقلل من التأثير السلبي لتلك التوقعات والمقارنات.
6- العناية بالنفس
خطوة الاهتمام بجوانب مثل صحتك الجسدية والعاطفية والنفسية تؤثر على علاقتك بنفسك, والحرص على الاهتمام بأخذ قسط من النوم الكافي وممارسة الرياضة وتناول الأغذية الصحية وممارسة الهوايات جميع تلك السلوكيات الخاصة بالعناية بالنفس تعزز من الشعور بالرضا حول الذات.
طرق لبناء علاقة صحية مع نفسك
1- تحديد النية مع ترسيخ الوعي, حدد أهداف طويلة المدى تتمثل في الاستمرار بالتقدم للوصول لعلاقة جيدة مع الذات مع إدراك أن تلك الخطوة لا تتم في يوم واحد بل هي عملية ستتغير بمرور الوقت.
تلك الطريقة تتطلب منك أن تحدد وقت للتفكير في نفسك ومعرفة ما الذي تحتاجه وكذلك ما الذي تريده, وتتطلب منك أن تراقب مشاعرك وأفعالك بشكل يومي.
2- خطط على المدى القصير والمتوسط والطويل, الهدف من هذا التخطيط هو وضع أهداف واضحة لعلاقتك مع نفسك على مراحل زمنية مختلفة.
تلك الخطوة تطبق بواسطة تحديد أهداف صغيرة يومية وكذلك أهداف شهرية وسنوية مع الحفاظ على التوازن بين المكافآت الفورية والرضا طويل الأمد.
3- تبني فكرة الفضول والقبول, هو الاعتراف بمفكرة أن التغيير والخروج من دائرة الراحة أمر لا يمكن الهروب منه, كما عليك أن تتعامل بدافع من الفضول والاستكشاف مع تقبل شخصيتك الحقيقة دون مقاربة نفسك بالآخرين.
والقبول هنا يعني أن تتقبل شخصيتك كما هي بجميع نقاط الضعف والقوة, في حين أن الفضول هنا يشير لمراقبة النفس والأفكار والمشاعر دون أن تنتقدها.
4- إعطاء الأولوية للعناية الذاتية, من العادات التي تساعد في بناء علاقة صحية مع النفس هي ممارسة الأنشطة البدنية والتغذية والحفاظ على معدل من النوم الكافي وتخصيص وقت للراحة والترفيه.
5- ممارسة اللطف مع النفس, اللطف مع النفس لا يعني التهرب من تحمل المسؤولية أو ألا تحاسب نفسك على أفعالك ولكن هي تعني العمل على محاسبة وتقييم النفس بشكل بعيد عن النقد العدواني أو اللوم المستمر.
6- البحث عن الآخرين الذين يتوافقون مع أهدافك, بناء علاقة صحية مع النفس لا تقتصر على الممارسات التي تقوم بها بمفردك, ولكن عليك مراعاة التواجد بجانب أشخاص يعاملونك جيدًا وكذلك علاقتهم جيدة مع أنفسهم.
7- تنمية السلوك المتفائل والواقعي, هذا يعني تجنب التفكير المبني على الأبيض والأسود وكذلك تجنب السعي للوصول للكمال, ولكن عليك اعتماد قائمة من الأهداف القابلة للتحقيق على أرض الواقع وذلك بواسطة البدء بخطوات صغيرة والاقتناع بأنها تلك الخطوات البسيطة هامة لتحقيق الأهداف الكبيرة.
8- وضع خطة للأزمات, أثناء التعرض للأزمات والأوقات العصيبة عليك أن تستعد لها بواسطة إدراك وفهم مشاعرك من التركيز على نواياك وأهدافك طويلة المدى مع مراعاة عدم إلقاء اللوم على النفس أثناء هذا الوقت.
9- تجنب فخ الأنانية, بعض الأفراد ترسخ في أذهانهم فكرة أن الاهتمام بالنفس دليل على الأنانية ولكن في الواقع إهمال الفرد لنفسه والاهتمام فقط بالآخرين يترتب عليه شعوره بالإرهاق.
لهذا عليك أن تقتنع أن الاهتمام بالنفس ليس رفاهية ولكنه ضرورة في الحياة.
10- غير طريقة حديثك مع النفس, تجنب مخاطبة نفسك بقسوة سواء كان بصوت مرتفع أو في داخلك ولكن عليك استخدام أسلوب من الدعم واللطف وبالأخص أثناء الشعور بالتوتر.
في نهاية المقال أعمل أن خطوة بناء علاقة صحية مع النفس هي رحلة دائمة تتطلب ممارسات من الصبر والصدق والاهتمام ولا تتم في يوم واحد, والممارسات الصغيرة المتمثلة في الوعي والتقبل ورعاية الذات جميعها تساعدك على بناء علاقة صحية مع نفسك.
يمكنك قراءة أيضًا :
